محمود الشقران من الرمثا إلى قلب المستمع

الإثنين, 29, سبتمبر, 2025

عمان- في شمال الأردن، حيث تمتد سهول حوران وتلتقي القرى القديمة بسماء واسعة، ينبعث صوت يحمل بين طياته روح المكان وتاريخها العميق. محمود الشقران، الشاب الرمثاوي البالغ خمسة وعشرين عامًا هو موهبة صاعدة بقوة،  صوته ينبض بالتراث، يجمع بين الشجن والقوة، بين الماضي والحاضر، وبين الحلم والواقع،  والاهم بصوته، يحمل محمود عبق الرمثا وروحها الأصيلة.

منذ سن الرابعة عشرة، لمع صوته بين أهل بلدته الذين أصبحوا يطلبونه في الأعراس والمناسبات، يسمعون فيه شيئًا مختلفًا، شيئًا يتجاوز مجرد الغناء إلى إحساس جماعي يربط الجميع بالأرض والزمان. 

يقول محمود عن تلك البدايات “كنت في الرابعة عشرة فقط، وكانوا يطلبون مني الغناء في كل احتفال. شعرت أن صوتي ليس لي وحدي، بل لكل من حولي.”

في الرمثا، حيث تُكرم الأصوات الجميلة وتُحتفى بالأغاني الشعبية في كل بيت، وُلدت موهبته وعاشت بين دفء المجتمع وإيقاع الحياة اليومية، بين رائحة الخبز الطازج في الأسواق وألحان الدبكة التي تملأ الساحات.

اللحظة الفارقة في مساره جاءت حين التقى بالمهندس الصوتي أحمد أبو صباح من فرقة شباب الرمثا، الفرقة الشهيرة بالدبكة والأغاني التراثية. اكتشف أبو صباح موهبة محمود الخام، وشجعه على دراسة العود، ورفعه إلى الصدارة ليصبح الصوت الرئيس في معظم حفلات الفرقة. 

يروي محمود بابتسامة “كنت في السادسة عشرة فقط، لكنني صرت المغني الأول للفرقة… أبو صباح، مدير أعمالي وصديقي لم يرَ فيّ مجرد مغنٍ، بل موسيقيًا أيضًا.”

الفن بالنسبة ل محمود أشبه بالمحيط، لا يُبحر فيه إلا من يعرف كيف يوازن بين القوة والحنان وبين الحرف والروح. بعد كل حفلة يجلس محمود مع مدير اعمالة أبوصباح يشاهد تسجيلاته بعين ناقدة، يراقب التفاصيل، يحتفل بالقوة ويعمل على صقلها، ويتعلم  من كل لحظة قد لا تكون مناسبة. 

يقول: “كل حفلة أخوضها هي مدرسة جديدة. أتعلم من نقاط قوتي وأحافظ عليها، وأعمل على سد الثغرات… لا أسمح لنفسي أبداً بتكرار الأخطاء.”

اللون الرمثاوي في صوته ليس مجرد صوت، بل هو هوية، والدبكة، والأغاني التراثية، واللحن المستمد من روح المنطقة الممتدة بين سهول حوران كلها عناصر تتفاعل مع صوته، فتخلق تجربة حسية كاملة.

 يوضح محمود “الفنان يجب أن يكون متنوعًا، لكنه في الوقت نفسه متمسك بلونه الخاص. لوني هو الدبكة والأغنية التراثية. اللحن الرمثاوي مميز لأنه مستمد من تراث المنطقة وممزوج بروح سهل حوران، ويرتكز على صوت المجوز.” 

وفي صوته، يسمع المرء صدى التراث، محمولًا بحيوية الشباب وجرأته، كأن الأرض نفسها تغني معه.

لكن خلف هذا الصوت القوي، حياة لم تكن سهلة. فقد أصبح يتيمًا في عمر مبكر، واضطر لترك المدرسة بعد الصف التاسع ليعمل ويعيل أسرته. وبين ضغوط الواقع وقسوة الحياة، وجد متنفسه الوحيد في حلقات التجويد بالجامع، بين أطفال الحي، حيث جلس يستمع ويشارك، يكتشف الموسيقى في كل حرف، وفي كل وزن، وفي كل تلاوة تتردد بين الجدران. هناك تعلم أن الصوت ليس مجرد كلمات، بل إحساس، وارتباط بالآخرين وبالروح نفسها، شيء أكبر من أي صعوبة يواجهها.اليوم، امتد صدى صوته خارج حدود الأردن، ليصل إلى جمهور عربي متنوع، من الشباب إلى كبار السن، يحلق معهم عبر الألحان ويعيد لهم دفء التراث. صوته أصبح لغة مشتركة، تحمل الحنين، والإحساس العميق بالهوية وروح المكان. ومحمود، بابتسامة هادئة وعينين مليئتين بالإصرار، يظل يحمل حلمه الكبير: “إذا كان لديك حلم واقعي وعملت بجد لأجله، فستصل إليه يومًا ما بلا شك. حلمي أن أصبح اسمًا معروفًا في العالم العربي.”