حين يلتقي التصميم بالسرعة
المهندس المعماري وراء المتحف الملكي للسيارات في الأردن
أنوفيا – في بلدٍ تحكي فيه الرمال والحجارة قصص حضاراتٍ مضت، يجرؤ مبنى واحد على التحدث بلغة المحركات، والأناقة، والإرث، إنه المتحف الملكي للسيارات.
وراء منحنياته الانسيابية وسرده المتقن على مستوى المتاحف، لا يقف مجرد مهندس معماري، بل رجل عاش وتنفّس الحركة منذ طفولته.
في سن الثمانين، لا يزال زياد ديراني يتحدث عن السيارات بابتسامة طفل، وكأن هدير كل محرك لا يزال يتردد في صدره. حظيت أنوفيا بلقاء خاص معه في منزله في عمّان ، في مكتبه الخاص الذي يشبه نصفه استوديو ونصفه الآخر خزانة ذكريات حيث تجلس الرسومات والمخططات ونماذج السيارات المصغّرة كضيوف مكرّمين.
“منذ أن كنت طفلًا صغيرًا، كان شغفي الرسم”، يتذكّر ديراني. “كنت أرسم كل شيء، وعندما لا أعرف إجابة سؤال في الامتحان، كنت أرسم سيارة في الفراغ. أحيانًا كنت أضيف لمساتي الخاصة على نماذج معروفة، وأحيانًا أخرى أرسم سيارات من خيالي بالكامل”.
كان حبه للتصميم وخاصة تصميم السيارات، أكثر من مجرد هواية عابرة؛ لقد كان إرثًا عائليًا.
“ورثت هذا الشغف عن والدي، الذي كان يشجعني على حب السيارات وسباقاتها”، يقول ديراني، “واليوم، أبنائي، وخاصة زيد – ورثوه عنّا نحن الاثنين”.
يعتبر ديراني أن دوره في تصميم المتحف الملكي للسيارات هو لحظة فارقة في مسيرته المعمارية.
“لقد جمع بين شغفيّ الكبيرين: السيارات والعمارة، و كان تحديًا إبداعيًا يحمل في طياته عبئًا عاطفيًا.”
تم تكليفه بهذا المشروع لتكريم إرث صاحب الجلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال، وكان على المتحف أن يفعل ما هو أكثر من مجرد عرض سيارات – كان عليه أن يروي قصة.
درس ديراني كل مركبة في المجموعة: أين استخدمها الملك الحسين؟ ولأي غرض؟ وفي أي لحظات من تاريخ الأردن لعبت دورًا؟ هذه التفاصيل الحميمة أصبحت جزءًا من المعرض، متاحة للزوار لاكتشافها.
“أراد جلالة الملك عبدالله الثاني مكانًا لا يكتفي بعرض مجموعة والده الفريدة، بل يعرضها بكرامة وسرد قصصي، بحيث يحفظ الذكرى ويروي الإرث”، يوضح ديراني.
“حظيت بحرية كاملة في التخطيط والتصميم، مما جعل الرحلة مبهجة ومُرضية إلى حدٍ لا يوصف.”
المتحف ليس مجرد مبنى؛ إنه تحيّة للحركة – الميكانيكية، والتاريخية، والعاطفية.
بدأت رحلة ديراني المعمارية بتحوّل مفاجئ.
ذهب إلى جامعة بيفرلي هيلز في الولايات المتحدة لدراسة الهندسة، لكن العمارة الإسبانية في كاليفورنيا أسرت خياله.
“كنت مأخوذًا بها”، يقول. “بدأت بإعادة رسم المنازل التي أعجبتني، ثم أضفت لمساتي الفنية الخاصة.”
بعد التخرج، عاد إلى الأردن عام 1971 وأطلق مسيرة مهنية ستمنحه لاحقًا اللقب غير الرسمي:
“المهندس الملكي”.
“تشرفت ببناء منازل لصاحب الجلالة المغفور له الملك الحسين، وجلالة الملك عبدالله الثاني، وعدد من أفراد العائلة الهاشمية”، يقولها بكل فخر وهدوء.
ورغم كل ذلك، تبقى نزاهة ديراني ثابتة لا تتزحزح. فعندما يتعلق الأمر بتصميم المنازل، فهو معروف بانتقائيته.
“إذا لم أقتنع بجودة قطعة الأرض، لا أقبل بالمشروع”.
“أدرس الحي، والبيئة، وكل عنصر يتعلق براحة الزبون. أنا صادق مع من يطلب مني تصميم منزل، وبعد كل هذه السنوات، لم يكن لدي زبون غير راضٍ”.
اليوم، يقف زياد ديراني كشاهد حي على ما يحدث عندما تتقاطع الهوية الشخصية والدقة والشغف.
بصمته المعمارية تزين بعضًا من أروع المساحات في الأردن، لكن يظل المتحف الملكي للسيارات هو الأقرب إلى قلبه.