في قلب بلاد الشام، ينساب نهر بهدوء وعُمق، لا يشق الأرض فحسب، بل يشق الخيال الروحي لملايين البشر.

نهر الأردن، الذي ينبع من منحدرات جبل الشيخ، ويتلوى عبر جليل، ثم يصب في البحر الميت، كان منذ القدم شاهدًا حيًا على التاريخ والإيمان والثقافة.
للمسيحيين، هو أقدس نهر في العالم، مياهٌ شهدت معمودية السيد المسيح على يد القديس يوحنا المعمدان، معلنة فجر رسالة ستغير وجه البشرية.
من أقدم الروايات التوراتية إلى رحلات الحج المزدحمة في يومنا هذا، ظل نهر الأردن نهر البدايات والانتقالات. تصفه النصوص القديمة كخط حياة، يغذي الاراضي، ويرسم الحدود، ويُلهم كل من يراه.

على ضفافه، تحكي أطلال الكنائس القديمة ومساكن النُساك عن قرون من التفاني الروحي، لاسيما عند موقع المعمودية، أو الذي إعترفت به اليونسكو عام 2015 كموقع المعمودية الأصيل للسيد المسيح.
يتوافد الحجاج من جميع أنحاء العالم للغمر في مياه النهر، والتأمل، وإجراء المعمودية، وأحيانًا لمجرد لمس المياه التي تحمل معها التاريخ والبركة.

لكن نهر الأردن ليس مجرد رمز روحي؛ فهو نظام بيئي هش يواجه تحديات العصر الحديث. على مر العقود، أدت تحويلات المياه وضغوط المناخ إلى تقليص تدفقه بشكل كبير، مهددةً بيئته وصحة البحر الميت. ومع ذلك، يبقى الأمل حيًا لان اهتمام الحكومات والمنظمات البيئية والمجتمعات المحلية الان هي على استعادة حيويته. تشمل هذه الجهود إطلاق مياه معالجة، وإعادة تأهيل ضفاف النهر، بهدف إعادة نهر الأردن إلى مجده، ليس فقط كرمز للإيمان، بل كنهر حيّ يتنفس الحياة على طول مساره.
اليوم، أثناء المشي على طول نهر الأردن، يمكن رؤية نهر مليء بالتناقضات من مواقع مقدسة تردد أصداء الترانيم القديمة، إلى مياه تعكس التلال المشمسة، وتدخلات بشرية دقيقة تسعى للحفاظ على تدفقه.
إنه مكان يلتقي فيه التاريخ بالحاضر، والروحانية بالمسؤولية البيئية، حيث تذكر كل قطرة من مياهه العالم بأهمية هذا النهر الاستثنائي التي لا تزول.