في هذا اللقاء الحصري، تجلس أنوفيا مع راوٍ للطعام، تتجاوز علاقته بالمطبخ مجرد الوصفات لتصل إلى جوهر الهوية والذاكرة والانتماء. يلقّبه أصدقاؤه بـ”لافي”، واسمُه الكامل محمد لافي. من خلال أطباق متجذرة في التراث ومشحونة بالحب، يدعونا لافي لتذوّق الأردن، ليس كمكان فحسب، بل كفلسفة حياة نابضة.
أنوفيا: تصف الطعام بأنه النقطة التي يلتقي فيها القلب بالعقل. هل يمكنك مشاركة لحظة أو طبق يعكس هذا الاتحاد بأبهى صورة؟
شيف لافي : بالنسبة لي، مشاركة الخبز ليست مجرد تناول الطعام ، إنها فعل مقدس من التواصل والانتماء. تتحول المائدة المشتركة إلى مساحة للثقة، والانتماء، والصداقة الهادئة. في ثقافتنا، الخبز أكثر من مجرد غذاء؛ إنه رمز للحب، والحميمية، والتقاليد. هنا، يلتقي القلب بالعقل حقًا، بين دفء وجبة مشتركة وراحة الشعور بأنك مُرى ومقدّر.

أنوفيا: تتحدث عن تتبع ذكريات العائلة لإعادة قراءة الماضي. أي وصفة أو طقس منسي تفخر بإحيائه أكثر؟
شيف لافي : “الملوخية”، كانت تقول أمي، وفجأة ينبض المطبخ بالحياة. هو طبق متواضع، انتقل عبر الأجيال، لكنه كان أكثر من مجرد طعام؛ كان طقسًا. كنا نجلس نحن الأشقاء لنتخلص من الأوراق، وكان والدي يفرمها بعناية، وكانت مهمتي الشرفية الذهاب إلى دكان الدواجن، الانتظار في الطابور، وإحضار الدجاج الطازج. وأمي؟ كانت الكيميائية. تضيف شيئًا لا يملكه أحد سواها.
مكونها السري؟ كان الحب.
كانت تبتسم دائمًا عندما يقول لها أحدهم: “رائحته رائعة”. وكانت كذلك دائمًا. تلك الرائحة لا تزال تعيش معي. كانت ملوخيتها بسيطة، مريحة، ومليئة بالروح. أينما كنت في العالم، تعيدني إلى المنزل.
أنوفيا: تقول إن الطعام والثقافة ليسا مجرد مكان أو طبق، بل أسلوب حياة. كيف تجسّد هذه الفلسفة في طبخك اليوم؟
شيف لافي : كل طبق يروي قصة حياتنا: كيف ننمو، نحضر، نشارك، ونتلذذ. عادات الطعام ليست عشوائية؛ بل تعكس القيم والمناخ والهجرات والطقوس. عندما تعبر الحدود، تحمل نكهاتك معك، ولكنك تتكيف أيضًا، وهنا يولد شيء جديد، متعدد الطبقات. في مطبخي، لا أطبخ فقط؛ بل أبني جسورًا بين الذاكرة والهوية، بين ما كنا عليه وما نصبح عليه.
أنوفيا: ذكرت رائحة نبات الشيح المدخن وصوت السيمسيمية على خليج العقبة. كيف تشكّل هذه اللحظات الحسية فهمك للهوية الأردنية؟
شيف لافي : تلك الروائح والأصوات هي نبض المنزل. حتى عندما أكون بعيدًا، تعيدني إلى جذوري، تؤكد هويتي ومكاني. أحمل هذا الجوهر إلى كل طبق أبتكره. كطاهٍ وراوٍ، أرى نفسي سفيرًا ثقافيًا، أشارك جمال الهوية الأردنية مع العالم. من خلال النكهة، أضع تراثنا بثقة وبفخر، على الخريطة الطهوية العالمية.
أنوفيا: تصف المطبخ الأردني بأنه “تميمة متعددة الأوجه كالصحراء والجبل”. أي طبق أصلي يعكس هذا التناقض، ولماذا؟
بدون شك: المنسف — الملكي.
شيف لافي: أسميه كذلك لأنه أكثر من مجرد وجبة؛ إنه بيان ثقافي. يحمل روح صحاري الأردن، وكرم مرتفعاته، والقيم الصامتة للشرف والفخر والكرم. في كل حبة أرز ورشة من الجمد، هناك شيء مقدس — طعم من نحن.

أنوفيا: تصف طبخك بأنه جزء من “تقليد طويل للضيافة”. كيف ترى تطور الضيافة الأردنية اليوم، خاصة في عالم يعيد اكتشاف الطعام البطيء والأصالة؟
شيف لافي: نحن نبني نموذجًا جديدًا للضيافة الأردنية، متجذرًا في الأصالة والجودة. نرتقي بالمكونات المحلية والتقاليد، ونستمدها من جميع أنحاء المملكة، ونحتفي بما ورثناه: إرثنا، تراثنا الطهوي. الإرث ليس ثابتًا؛ بل حيّ، متطور، ومتسع. يمنح المنتجين المحليين الأدوات للنمو، ويمنحنا كأصحاب الضيافة القدرة على تقديم شيء تقليدي بعمق وذو صدى عالمي.
أنوفيا: أي لحظة طفولة أثرت في فلسفتك الطهوية اليوم؟
شيف لافي : كانت دائمًا في الهواء، اختلاط التوابل، صوت الثوم في السمن، الثقة الهادئة في يدي والدتي. لم تكن تطبخ فقط ، بل كانت تصنع السحر، ليلة بعد ليلة. كانت وجباتها تضيف أبعادًا جديدة لمائدتنا، كل واحدة مألوفة ومفاجئة في آن. من خلال مشاهدتها تعلمت أن الطهو ليس مجرد مكونات.
إنه عن النية.
عن حب يغلي ببطء.
وعن منح الآخرين قطعة من الوطن ، حتى عندما يكونون بعيدين عنه.